سورة الجاثية - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجاثية)


        


{وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)}
{وَيْلٌ لّكُلّ أَفَّاكٍ} كثير الإفك أي الكذب {أَثِيمٍ} كثير الإثم، والآية نزلت في أبي جهل، وقيل: في النضر بن الحرث وكان يشتري حديث الأعاجم ويشغل به الناس عن استماع القرآن لكنها عامة كما هو مقتضي كل ويدخل من نزلت فيه دخولًا أوليًا، و{أَثِيمٍ} صفة {أَفَّاكٍ} وقوله تعالى:


{يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)}
{يَسْمَعُ ءايات الله} صفة أخرى له، وقيل استئناف، وقيل حال من الضمير في {أَثِيمٍ} وقوله سبحانه: {تتلى عَلَيْهِ} حال من {الله إِلاَّ} ولم يجوز جعله مفعولًا ثانيًا ليسمع لأن شرطه أن يكون ما بعده مما لا يسمع كسمعت زيدًا يقرأ، والظاهر أن المراد بتتلى الاستمرار لأنه المناسب للاستبعاد المدلول عليه بقوله عز وجل: {ثُمَّ يُصِرُّ} فإن ثم لاستبعاد الإصرار بعد سماع الآيات وهي للتراخي الرتبي ويمكن إبقاؤه على حقيقته إلا أن الأول أبلغ وأنسب بالمقام، ونظير ذلك في الاستبعاد قول جعفر بن علية:
لا يكشف الغماء إلا ابن حرة *** يرى غمرات الموت ثم يزورها
والإصرار على الشيء ملازمته وعدم الانفكاك عنه من الصر وهو الشد ومنه صرة الدراهم، ويقال: صر الحمار أذنيه ضمهما صرًا وأصر الحمار ولا يقال أذنيه على ما في الصحاح وكأن معناه حينئذ صار صارًا أذنيه.
والمراد هنا ثم يقيم على كفره وضلاله {مُسْتَكْبِرًا} عن الايمان بالآيات وهو حال من ضمير {يُصِرُّ} وقوله سبحانه: {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} حال بعد حال أو حال من ضمير {مُسْتَكْبِرًا} وجوز الاستئناف، و{كَانَ} مخففة من كأن بحذف إحدى النونين واسمها ضمير الشأن، وقيل: لا حاجة إلى تقديره كما في أن المفتوحة، والمعنى يصر مستكبرًا مثل غير السامع لها {فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} على إصراره ذلك، والبشارة في الأصل الخبر المغير للبشرة خيرًا كان أو شرًا، وخصها العرف بالخبر السار فإن أريد المعنى العرفي فهو استعارة تهكمية أو هو من قبيل:
تحية بينهم ضرب وجيع...


{وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9)}
{وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءاياتنا شَيْئًا} وإذا بلغه شيء من آياتنا وعلم أنه منها.
{اتخذها هُزُوًا} بادر إلى الاستهزاء بالآيات كلها ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه، وجوز أن يكون المعنى وإذا علم من آياتنا شيئًا يمكن أن يتشبث به المعاند ويجد له محملًا يتسلق به على الطعن والغميزة افترصه واتخذ آيات الله تعالى هزوًا وذلك نحو اعتراض ابن الزبعري في قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] ومغالطته رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله على ما بعض الروايات: خصمتك فضمير {اتخذها} على الوجهين للآيات، والفرق بينهما أن {شَيْئًا} على الثاني فيه تخصيص لقرينة {اتخذها هُزُوًا} إذ لا يحتمل إلا ما يحسن أن يخيل فيه ذلك ثم يجعله دستورًا للباقي فيقول: الكل من هذا القبيل، وفرق بين الوجهين أيضًا بأن الأول الاتخاذ قبل التأمل وفي الثاني بعده وبعد تمييز آية عن أخرى، وقيل: الاستهزاء بما علمه من الآيات إلا أنه أرجع الضمير إلى الآيات لأن الاستهزاء بواحدة منها استهزاء بكلها لما بينها من التماثل، وجوز أن يرجع الضمير إلى شيء والتأنيث لأنه عنى الآية كقول أبي العتاهية:
نفسي بشيء من الدنيا معلقة *** الله والقائم المهدي يكفيها
يعني الشيء وأراد به عتبة جارية للمهدي من حظاياه وكان أبو العتاهية يهواها فقال ما قال. وقرأ قتادة. ومطر الوراق {عِلْمٍ} بضم العين وشد اللام مبنيًا للمفعول {أولئك} إشارة إلى {كل أفاك} [الجاثية: 7] من حيث الاتصاف بما ذكر من القبائح، والجمع باعتبار الشمول للكل كما في قوله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 32] كما أن الأفراد فيما سبق من الضمائر باعتبار كل واحد واحد، وأداة البعد للإشارة إلى بعد منزلتهم في الشر.
{لَهُمْ} بسبب جناياتهم المذكورة {عَذَابٌ مُّهِينٌ} وصف العذاب بالإهانة توفية لحق استكبارهم واستهزائهم بآيات الله عز وجل:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8